الأربعاء، 1 مايو 2013

شفيق على ظالم

شفيق على ظالم


من كابر الله صرعه ، ومن نازعه قمعه ، ومن ماكره خدعه ، ومن استطال على الخلق بقوته قصمه .ومن سنن الله الكونية ، أنَّ من نازعه الكبرياء والعظمة قصمه الله وأهلكه ، ومن تسلَّط على العباد بالظلم أعاد الله عليه عاقبة ظلمه ، والعدل أساس الملك والممالك
عن جابر قال لما رجعت مهاجرات البحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ألا أتحدثون بأعجب شيء رأيتم بأرض الحبشة ؟ )
فقال فتية منهم : يا رسول الله بينا نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائزهم تحمل قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها على ركبتها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت فقالت : سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون أتعلم أمري وأمرك عنده غدا فقال رسول الله : صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من قويهم 
) أخرجه ابن ماجه وله شاهد من حديث بريدية -رضي الله عنه- أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة»، والبيهقي في «الأسماء والصفات» و«الشعب»، والحديث بهما صحيح.
أما والله إن الظلـم شؤم *** وما زال المسيء هو الظلوم
تعلم في الحساب إذا التقينا *** غداً، يومَ القيامة، من الظلومُ
وينقطع التلذذ عن أناس *** من الدنيا، وتنقطع الهموم
تنام ولم تنم عنك المنايا *** تنبه للمنية يا نؤوم
تروم الخلد في دار المنايا *** وكم قد رام غيرك ما تروم
إلى ديان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم

ما الظلم؟
سبحانه ينزه نفسه عن الظلم ويحرمه على نفسه فيقول (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) ق :29
وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال" : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا "
الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، ويطلق على مجاوزة الحد ، والتصرف في حق الغير بغير وجه حق ، وتحريم الظلم من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة بتقريرها
قال ابن خلدون"الظلم مؤذن بخراب العمران"
أين الظالمون وأين التابعــون لهم*** فى الغى بل أين فرعون وهامان؟
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم *** وذكرُهم فى الورى ظلم وطغيــان؟
أين الجبابرة الطاغون ويحهم *** أين من غــــرهم لهو وسلطان ؟
هل أبقى الموت ذا عزٍّ لعزتـه *** أو هل نجا منه بالأموال إنســـان ؟
لا والذى خلق الأكوان مـــن عدم *** الكل يفنى فلا إنـــس ولا جان.

أنواع الظلم
الظلم ثلاثة أنواع :1/ ظلم العبد نفسه بالشرك . 2/ ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله . 3/ ظلم العبد لغيره من العباد .
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل ثَلاَثَةٌ دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ الله بِهِ شَيْئاً وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ الله منه شَيْئاً وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ الله فَأَمَّا الدِّيوَانُ الذي لاَ يَغْفِرُهُ الله فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قال الله عز وجل إنه من يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ الله عليه الْجَنَّةَ وَأَمَّا الدِّيوَانُ الذي لاَ يَعْبَأُ الله بِهِ شَيْئاً فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ من صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أو صَلاَةٍ تَرَكَهَا فإن اللَّهَ عز وجل يَغْفِرُ ذلك وَيَتَجَاوَزُ إن شَاءَ وَأَمَّا الدِّيوَانُ الذي لاَ يَتْرُكُ الله منه شَيْئاً فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ لاَ مَحَالَةَرواه أحمد (26073) والحاكم 4/619 وصححه قال العراقي رحمه الله تعالى " أحمد والحاكم وصححه من حديث عائشة وفيه صدقة بن موسى الدقيقي ضعفه ابن معين وغيره " ا.هـ المغني عن حمل الأسفار 2/987
الظلم ظلمات
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " رواه مسلم (2578
وقال صلى الله عليه وسلم ( لَا تَحَاسَدُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَبَاغَضُوا ولا تَدَابَرُوا ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى ها هنا -وَيُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم ( 2564
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الظلم كلما خرج المرء من بيته فعن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خَرَجَ من بَيْتِهِ قال ( بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ من أَنْ أَزِلَّ أو أَضِلَّ أو أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عَلَيَّ ) رواه أحمد (26747) والنسائي ( 5486
الظلم في الدنيا ظلمات علي أصحابه ؛ ظلمات فى البصر والبصيرة ، ظلمات في القلب ، فإذا أظلم القلب تاه وتجبر وتحير ، فذهبت هدايته ، وانطفأت بصيرته ، فصار صاحبه في ظلمة إلى يوم القيامة ، بينما غيره من المؤمنين يسعي نورهم بين أيديهم بأعمالهم الصالحة.
لقد رأيت الظلم وأهله وأيقنت أن من سلط سوطه على أحد أذيق بأس سوطه...
فمن استطال على الناس بولده فلينتظر بترا ، ومن استطال على الناس بماله فلينتظر فقرا
ومن استطال على الناس بعزه فلينتظر ذلا ، ومن استطال على الناس بعقله فلينتظر جنونا
ومن استطال على الناس بصحته فلينتظر مرضا
فليتدبر كل ظالم أي السياط أقوى على بأسها وأشد على ألمها وأجلد على عذابها ولا يحسبن الظالم أن إمهال الله إهمال أو غفلة - تعالى الله- لكنه الإملاء والاستدراج والمكر به فليحذر!
لعل للظالم في رحمة الله نصيباً وفي عفوه قسطاً فمن كان منكم لديه سوطاً فليستعمله في الخير وإلا فلا يلومن إلا نفسه.

ومن الظلم أن يستأجر أجيرا في عمل ولا يعطيه أجرته
في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة)
في صحيح البحاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالي : (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته : رجل أعطي بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه العمل ولم يعطه أجره...)
قال الفضيل بن عياض: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا أو خنزيرًا بغير حق، فكيف تؤذي مسلمًا؟ سير أعلام النبلاء (8/427).

يقول (سعد): كنت أملك مزرعة خاصة بي وكان بجانبها قطعة أرض زراعية حاولت كثيراً مع صاحبها أن يتنازل عنها ولكنه رفض.. ويواصل : قررت في النهاية الحصول على الأرض ولو بالقوة خاصة أنه لا يملك أوراقا تثبت ملكيته للأرض التي ورثها عن والده، حيث إن أغلب الأهالي في القرى لا يهتمون كثيراً بالأوراق الرسمية.
ويواصل :أحضرت شاهدين ودفعت لكل واحد منهما ستين ألف ريال مقابل الشهادة أمام المحكمة أنني المالك الشرعي للأرض وبالفعل بعد عدة جلسات استطعت الحصول على تلك الأرض وحاولت كثيراً زراعتها ولكن بدون فائدة مع أن الخبراء أوضحوا لي أنها أرض صالحة للزراعة، أما مزرعتي الخاصة فقد بدأت الآفات من الحشرات الأرضية تتسلط عليها في وقت الحصاد لدرجة أنني خسرت الكثير من المال . وبعد أن تعرضت لعدد من الحوادث التي كادت تودي بحياتي قمت بإعادة الأرض لصاحبها فإذا بالأرض التي لم تنتج قد أصبحت أفضل إنتاجا من مزرعتي إما الحشرات فقد اختفت ولم يعد لها أي أثر.
إذا ظالم استحسن الظلم مذهبا *** ولج عتوا في قبيح اكتسابه
فكله إلي ِريَب الزمان فإنه *** ستبدي له مالم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالما متجبرا *** يري النجم تيها تحت ظل ركابه
فلما تمادي واستظل بظلمه*** أناخت صروف الحادثات ببابه
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي *** وصب عليه الله سوط عذابه.

وأشد صور ظلم المخلوقين 

القتل : قال تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (النساء:93)
وقال عليه الصلاة والسلام ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا مَن مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا تعمدا ) رواه أحمد (16953) والنسائي في الكبرى(3446) من حديث معاوية رضي الله عنه وأبو داود(4270) والنسائي في الكبرى (15639) وابن حبان (5980) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وصححهما الحاكم 4/391 .
وعن عبادة بن الصامت قال: قال صلى الله عليه وسلم : "من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" رواه أبو داود والضياء في المختارة
وقال عليه الصلاة والسلام ( لا يزال المؤمن في فسحة مِن دينه ما لم يصب دما حراما ) رواه البخاري(6469) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
وقال عليه الصلاة والسلام ( مَن أَشَارَ إلى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فإن الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حتى يَدَعَهُ وَإِنْ كان أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ) رواه مسلم (2616) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
ظلم الحيوانات 

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه.
* كان الزمخشري في طفولته ، يحبس طائرا في بيته ، فأتي هذا الطائر وقطع الحبل فنشبت رجله ، فانقطعت مع الحبل ، وذهب الطائر برجل واحدة فقالت له أمه : قطع الله رجلك كما قطعت رجل هذا الطائر ، فذهب ، وبينما هو في طريقه بمكة وقع فكسرت رجله وأصبح على رجل واحدة.)
قال صلي الله عليه وسلم : بينما كلب يطيق بركيه (أي بئر) كاد يقتله العطش ، إذا رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنزعت موقها (أي خفها) فاستقت له به ، فغفر لها به. (رواه البخارى ومسلم)
مدين ، قوم شعيب 

كانت مدين بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة وكانت مدينتهم مليئة بالأشجار لذا سماهم (أصحاب الأيكة)
(كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ{176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ{177} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ{178} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{179} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ{180} أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ{181} وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ{182} وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ{183} وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ{184} قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ{185} وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{186} فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{187} قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ{188} فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{189} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ{190} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{191}فكانوا يقطعون السبيل ويخيفون المارة ويفرضون الإتاوات وكانوا في أسوأ الناس معاملة من بخس المكيال وتطفيفه بل وعبدوا والأيك (أي الشجر) (واذكروا إذ كنتم قليلا ...) فذكركهم بنعم الله وحذرهم سلب النعم بظلمهم.
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوي الإله *** فإن الإله سريع النقم
فإن تعط نفسك آمالها *** فعند مناها يحل الندم

بل ولم يكتفوا بذلك وهددوا وأعدوا وقالوا (وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) بل ودعوا على أنفسهم والبلاء موكل بالمنطق.
فأصابهم حر شديد سبعة أيام حتي ما يظلمهم من شيء فخرجوا من بيوتهم ، ثم إن الله أنشأ سحابة فانطلق إليها أحدهم واستظل بها فأصاب تحتها بردا وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوا جميعا ، ثم تأججت نار عليهم وصاح بهم صيحة واحدة فماتوا جمعياً (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم)
فجمع عليهم أنواعا من العقوبات وصفوفا من المثلات وأشكالا من البليات وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات ، سلط عليهم الرجفة الشديدة التي أسكنت الحركات ، ثم صيحة عظيمة أخمدت الأصوات ثم الظلمة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر الجهات فخلت منهم الدور ، وطويت صفحتهم السوداء من الوجود ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود.
والله إنى شفيق على كل ظالم .. يا هذا ظلمك لنفسك غاية في القبح ، إلا إن ظلمك لغيرك أقبح .. ويحك إن لم تنفع أخاك فلا تؤذه وإن لم تعطه فلا تأخذ منه
ذهبت لذات الظالمين بما ظلموا وبقي العار ، وداروا إلي دار العقاب وملك الغير الدار ، وخلوا بالعذاب في بطون تلك الأحجار ، فلا مغيث ولا أنيس ولا رفيق ولا جار، أما علموا أن الله جار المظلوم ممن جار ، فإذا قاموا يوم القيامة زاد البلاء على المقدار (سرابيلهم من قطران وتغشي وجوههم النار) لا يغرنك صفاء عيشهم، كل الأخير أكدار (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) ألا فلتعلم أن الجزاء بالمرصاد.
لايحيق المكر السيىء إلا بأهله 

(نورة) أستاذة جامعية ومطلقة مرتين فقالت: حدثت قصتي مع الظلم قبل سبع سنوات ، فبعد طلاقي الثاني قررت الزواج بأحد أقاربي الذي كان ينعم بحياة هادئة مع زوجته وأولاده الخمسة حيث اتفقت مع ابن خالتي الذي كان يحب زوجة هذا الرجل على اتهامها بخيانة زوجها . وبدأنا في إطلاق الشائعات بين الأقارب ومع مرور الوقت نجحنا حيث تدهورت حياة الزوجين وانتهت بالطلاق.
وتوقفت(نورة) والدموع في عينيها..ثم أكملت قائلة : بعد مضي سنة تزوجت المرأة برجل آخر ذي منصب ، أما الرجل فتزوج امرأة غيري وبالتالي لم أحصل مع ابن خالتي على هدفنا المنشود، ولكنا حصلنا على نتيجة ظلمنا حيث أصبت بسرطان الدم !
أما ابن خالتي فقد مات حرقاً مع الشاهد الثاني بسبب التماس كهربائي في الشقة التي كان يقيم فيها وذلك بعد ثلاث سنوات من القضية.
الله أكبر على كل ظالم متكبر
من الاغترار أن يظن المذنب إذا لم ير عقوبة أنه قد سومح وربما جاءت العقوبة بعد مدة وقل من فعل ذنبا إلا فويل عليه
قال تعالي (من يعمل سوءا يُجز به)
آدم لم يسامح بلقمة ، ودخلت امرأة النار في هرة ويونس عليه السلام خرج عن قومه مغضبا بغير إذن ربه فالتقمه الحوت.
ونظر بعض العباد شخصا مستحسنا فقال له شيخه : ما هذا النظر ؟ لتجدن غبَها ولو بعد حين فنسي القرآن بعد أربعين سنة.
وقال آخر : عبت شخصا قد ذهبت بعض أسنانه ، فانتثرت بعض أسناني ونظرت إلي امرأة لا تحل لي فنظر إلي زوجتي من لا أريد.وأنت ...
لا تَظلِمَن إذا ما كُنتَ مُقتَدِرا --- فالظُّلمُ تَرجِعُ عُقباهُ إلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ والمَظلومُ مُنتَبِهٌ --- يَدعو عَليكَ وعَينُ اللهِ لَم تَنَمِ
لا يظلمُ الحرَّ إلا منْ يطاولُهُ --- ويظلِمُ النَّذلُ أدنى منهُ في الصُّوَل
يا ظالماً جارَ فيمنْ لا نصيرَ لهُ --- إلا المهيمنُ لا تغترَّ بالمَهَلِ
غداً تموتُ ويقضي الله بينكما --- بحكمةِ الحقِّ لا بالزيغ والمَيلِ

كان بعض العاقين قد ضرب أباه وسحبه إلي مكان ، فقال الأب : حسبك إلي هاهنا سحبت أبي .
وهذا ابن سيرين يحبس في دَين لأناس فيقول : أنا أعرف سبب هذا الحبس والدين منذ أربعين سنة عيرت رجلا بالفقر والإفلاس .. فجمع الله علي الدَين والحبس.
وأنا قول عن نفسي : ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق إلا بذنب أحدثته ، فترقب جزاء الذنوب.
معذبة زنَيرة
كان زنيرة فتاة صغير مملوكة عند امرأة من قريش مشتركة ، فلما أسلمت تلك الفتاة قامت سيدتها تعذبها بالليل والنهار ، وذات يوم جمعت الجواري ، وأمرتهن أن يضربوها على راسها ، حتي فقدت بصرها ، فكانت إذا عطشت وطلبت منهن الماء قال : الماء أمامك فإن كان ربك الذي تؤمنين به حقا كما تزعمين ، فادعيه فليرد عليك بصرك كي ترى الماء والطعام .
فرفعت زنيرة يديها إلي الله وقالت : اللهم إني أسألك أن ترد على بصري ، فأبصرت ،
وإذا بسيدتها تصرخ وتصيح من رأسها ، وارأساه ثم قالت للجواري : احملن النعال والقباقيب ، واضربوني على رأسي ليزول الألم ، فما زلن بها حتي فقدت بصرها!! وهكذا ينتقم الله لأوليائه..
(ظلم فوق الخيال) .. معذب الخادمات 

ترسل هذه القصة زوجة الضابط العسكرى إلي محرر بريد الجمعة فى جريدة الأهرام عبد الوهاب مطاوع : تقول دفعني للكتابة إليك بيتا الشعر
إنما الدنيا هبات *** وعوار مستردة
شدة بعد رخاء *** ورخاء بعد شدة

فأردت أن أروي لك قصتي عسي أن تكون عبرة لغيري .. فأنا زوجة وأم لفتاة جامعية ولابن شاب متزوج وزوجي ضابط عسكري بالمعاش ،كنا نعيش حياة رغيدة وقد تعودت في تربية أولادي بالاستعانة بالمربيات ، ولا أتذكر عددهن إذ لا تلبث الواحدة منهم إذ تفر في قسوة زوجي العدواني بطبعه فقد كان يتفنن في تعذيب المربيات ، ولا أنكر مشاركتي له أحيانا في ذلك ومنذ خمسة عشر سنة ، ابنتي في السابعة من عمرها وابني بالمرحلة الإعدادية ، جاءنا مزارع من معارف زوجي مصطحبا ابنته ذات الأعوام التسعة لتعمل شغالة عندنا مقابل 20 جنيه شهريا ، وترك طفلته الشقراء والتي انخرطت في البكاء وهي تمسك بجلباب أبيها وتستحلفه بألا يتأخر عنها في الزيارة ، وبدأت الطفلة حياتها معنا ، تستيقظ مبكرا تعد الطعام ثم تحمل الحقائب المدرسية وتظل واقفة مع ابنتي حتي يحملها الأتوبيس المدرسي ثم تعود تتناول طعامها والذي كان غالبا فولا دون زيت وخبز على وشك التعفن وأحيانا نجود عليها بقليل من العسل السود أو الجبن ،
ثم تمارس أعمال البيت ، تنظيف وشراء الخضر والمسح , ... فتسقط على الأرض مثل القتيلة وتستغرق في النوم ليلا ، وعند أي هفوة أو نسيان ينهال عليها زوجي ضربا بقسوة شديدة ، وهي صابرة ورغم ذلك كانت في منتهي الأمانة والنظافة والإخلاص تفرح بأبسط الأشياء وتغني غناء حزينا يعبر عن شوقها لبلدته وأمها وأخوتها ، كان زوجي يختلق السباب لضربها وأنا أعترف أني كنت شريكة لزوجي في قسوته على الخادمات ولكن كانت تأخذنى الشفقة في بعض الأحيان بهذه الفتاة لطيبتها وأناشد زوجي ألا يضربها ، فيقول لي مقهقها :
إنه لو لم يضربها فإنها ستطالب منه أن يضربها لأنها تعودت على ذلك ، وأن هذا الصنف من الناس لا تجدي معه المعاملة الطيبة ..
وأتذكر حين كان العيد ويخرج طفلاي مبتهجين مهللين ـ تبقي تلك الفتاة تنطفئ وتغسل دون راحة ثم ترتدي فستانا قديما لكنه نظيف حيث كانت تحافظ على نظافتها دائماً .
أما أبوها فلم تراه إلا مرات معدودة ، فقد انقطع عن زيارتها بعد شهور ، وبدأ يرسل أحد أقاربه لاستلام أجرتها الشهرية ، كما لم تر أمها وإخوتها إلا في ثلاث مناسبات :
الأولي حين مات شقيقها الأكبر في حادث عند عودته من الأردن والتي كانت معلقة عليه أملا كبيرا لينشلها من الشقاء التي تعانيه فإذا به يلقي مصرعه فبكته بحرقه وسرا حتي لا يراها زوجي فيعاقبها والمرة الثانية : كانت مريضة بمرض معدٍ وخشينا على طفلينا من انتقال العدوي فأبعدناها إلي بلدتها . والثالثة : عند وفاة أيها حتي استقر الحزن والانكسار في قلبها وأقام.
وأنا أكتب لك بإرادتي وأبكي الآن كلما تذكرت قسوة عقابنا لها على أي خطأ ، وقد كانت طفلة لابد أن تخطئ ، كان زوجي يصعقها بالكهرباء ، وكثرا ما حرمناها من وجبة العشاء في ليالي البرد القاسية فباتت على الطوي جائعة ، ولا أتذكر أنها نامت ليلة واحدة دون أن تبكي!! وحين قاربت الفتاة سن الشباب خرجت لشراء الخضروات ولم تعد ، فسأل زوجي لبواب فأخبره بأنها كانت تتحدث مع شاب وأنه من المحتمل أن تهرب معه .
ولم يمض أسبوع حتي كان نفوذ زوجي قد تكفل بإحضارها ، واستقبلناها استقبالا حافلا بكل أنواع العذاب ، فقام زوجي بصعقها بالكهرباء وتطوع ابني بركلها بعنف ، بينما ابنتي تبكي وتقول لأبيها : حرام يا بابا حرام ، فاستدار إليها وضربها هي أيضا لأول مرة في حياتها.
وعادت الفتاة لحياتها الشقية معنا واستسلمت لمصيرها ، تخطئ فتضرب ، عندما نخرج للتنزه فترك لها بقايا الطعام لتأكله طوال الأسبوع ، شيئاً فشيئاً بدأنا نلاحظ عليها أن الأكواب والأطباق تسقط من يديها ونها تتعثر في مشيها فعرضنا على الطبيب ،
فأكد لنا أن نظرها قد ضعف جدا وإنه ينسحب وفي سبيله للزوال وهي شبيه كفيفه ، ورغم ذلك لم نرحمها تقوم بكل أعمال النظافة وتذهب لشراء الخضر وكثيرا ما صعقتها إذا جاءت بخضروات غير طازجة ، فأشفقت عليها زوجة البواب ، فكانت تُجلسها في مدخل العمارة وتذهب هي لشراء الخضروات لها لتنقذها من الإهانة والضرب ، واستمر الحال هكذا لفترة من الزمن ، ثم خرجت يوما بعد أن أصبحت كفيفة تقريبا ولم تعد فلم نهتم بها.
ومضت السنوات ، فأحيل زوجي للتقاعد ، واستقبل حياة الفراغ ، فقد المنصب والنفوذ أسوأ استقبال ، تضاعفت عصبيته وإنفلاتاته إلي حد غير محتمل ولكني تحملته العشرة السنين تخرج ابني في الجامعة وخطب زميلته وكانت رائعة الجمال وتزوجها واكتملت سعادتنا حين عرفنا أنها حامل ، ثم جاءت اللحظة السعيدة ، لتضع مولودها فإذا بنا نكتشف لصدمتنا القاسية أنه كفيف البصر لا يبصر ، صارت الفرحة حزنا قائما ، ورحلة مع الأطباء بلا فائدة استسلمنا للأمر الواقع وأنطفأ الأمل ، وأدخلنا الحفيد الموعود حضانة للمكفوفين قررت زوجة ابني ألا تحمل ثانية خوفا من تكرار الكارثة ، لكن الأطباء طمأنوها أن هذا مستحيل فلا صلة قرابة ولا أمراض وراثية تسبب ذلك!!
وشجعوها على الحمل ونحن أيضا وحملت وأنجبنت طفلة شقراء نزلت للحياة فتدفقت قلوبنا حتي زف الطبيب البشري بأنها تري ، انهالت عليها اللهب والهدايا والملابس ،
وبعد سبعة شهور لاحظنا أن نظرها مركز في اتجاه واحد ولا تحيد عنه ، فعرضناها على أخصائي عيون للاطمئنان على سلامة عينها ، فإذا به يصدمنا بحقيقة أشد هولا ، وهي أنها لا تري إلا مجرد بصيص من الضوء وبصرها في طريقه للزوال ، رأي زوجي ذلك وأصيب بحالة نفسية انتهت بإدخاله مصحة نفسية لعلاج اكتئابه وانقبض قلبي وأحسست بهموم الدنيا تطأ على صدري بقسوة.
وهنا .. تذكرت الفتاة التي هربت من جحيمنا كفيفة ، صورتها تطاردني ، وتعلق أملي في عفو ربي عما جنينا في أن أجد هذه الفتاة ورحت أسأل الجيران حتي دلنا أحدهم على مكانها ، كانت تعمل خادمة بأحد المساجد ، ذهبت إليها وأحضرتها لتعيش معنا ما بقي لنا من أيامنا عادت معي تتحسس الطريق وأنا أمسك بيديها ، فرحت بسماع صوت ابنتي التي طالما أحبتها في طفولتها وصباها ،
فأصبحت أرعاها بل وأخدمها هي وحفيدي الكفيفين وأملي ودعائي لربي أن يغفر لي ما كان ، وأنا أقول لمن نضبت الرحمة من قلوبهم: إن الله حي لا ينام ، فلا تقسوا على أحد فسوف يجئ يوم تطالبون فيه الرحمة من أرحم الراحمين ، وتندمون على فعلتم بقوتكم وجبروتكم. هذه قصتي أرجو أن يقرأها الجميع ويعتبروا بما فيها ، ثم رد المحرر معلقا : "وهكذا كان الجزاء من جنس العمل ، ومع ذلك فما أكثر الخطايا يا والآثام ، وما أقل الاعتبار.!! .
إني وهبت لظالمي ظلمي *** وغفرت ذاك له على علمي
رجعت إساءته له علىّ *** حسنا ، فعاد بكسب الذنب والإثم
ما زال يُظلمني وأرحمه *** حتي بكيت له من الظلم.

تذكير وإنذار 

يقول سعيد بن عبد العزيز : من أحسن فليرج الثواب ، ومن أساء فلا يستنكر العقاب ومن أخذ عزا بغير حق أورثه الله ذلا بحق ، ومن جمع مالا بظلم ، أورثه الله فقرا بغير ظلم...
يقول أحد العلماء : "لولا أني أكره أن يعصى الله لتمنيت أن لا يبقي في هذا المصر أحد إلا وقع في واغتابني ، فأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفة يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها .."
* لما فرض الإمام نور الدين ـ رحمه الله ـ الضرائب ليستعين بها على جهاد الصليبيين ، أوقفه الإمام أبو عثمان النهدي وذكره خطورة الظلم ووباله يوم القيامة قائلا :
مثل لنفسك أيها المغرور *** يوم القيامة والسماء تمور
ماذا تقول إذا نقلب إلي البلي *** فردا وجاءك منكر ونكير
ماذا تقول إذا وقفت بموقف *** فردا ذليلا ، والحساب عسير
وتعلقت فيك الخصوم وأنت في *** يوم الحساب مسلسل مجرور
وتفرقت عنك الجنود وأنت في *** ضيق القبور مسود مقبور
وودت أنك ما وليت ولاية *** يوما ، ولا قال الأنام أمير
وبقيت بعد العز رهين حفيرة *** في عالم الموتي وأنت حقير
وحشرت عريانا حزينا باكيا*** قلقا ، ومالك في الأنام مجير
أرضيت أن تحيا وقلبك دارس *** عافي الخراب ، وجسمك المعمور
أرضيت أن يحظي سواك بقربه *** أبدا ، وأنت معذب مهجور
مهد لنفسك حجة تنجو بها *** يوم المعاد ويوم تبدو العور

فلما سمع نور الدين هذه الأبيات بكي بكاء شديدا ، وأمر بوضع الضرائب والمكوس في سائر البلاد ، وكتب إلي الناس ليكون منهم في رحل مما كان أخذ منهم ، ويقول لهم : إنما صرف ذلك في قتال أعدائكم الكفرة ، والذب عن البلاد والنساء والأولاد وكتب ذلك إلي سائر البلاد وأمر الوعاظ أن يستحلوا له من التجار.
من أمن العقوبة أساء الأدب 

إن العدل الذي أقام الله عليه السماوات والأرض يقتضي أن يحاسب كل مسيء، وأن ترد المظالم للناس، حتى لو تاب الحاكم الفاسد ونظامه، معلوم أن الحقوق تنقسم إلى حقين: حق الله، وحق الناس، فحق الله موكول إلى الله لا نملكه، ولا نحكم فيه، ولكن يبقى حق الناس، حق من سرق، وحق من ظلم، وحق من قتل، هذه الدماء لا تضيع سدى، وسنكون شركاء في إهدارها، وسنحاسب عليها.
ألم يفعل رؤوس الأنظمة الظالمة ما يستوجب الحكم عليهم بالإعدام شنقا حد حرابة؟! وكذلك قاطع الطريق، ألم يقطع النظام الفاسد الطريق على كل حرية للشعب، وكل تنمية للأمة، وكل محاولة للكرامة، إن قاطع الطريق يقطع ليسرق جنيهات، وهؤلاء قطعوا الطريق وسرقوا بالمليارات.
إن الذين يدعون للشفقة والصفح عن الحكام المخلوعين ورجال أنظمتهم الفاسدة، ينسون للأسف حقوقا لا تختص بهم، بل تختص بأولياء الدم، أهل الشهداء والقتلى، في أقسام الشرطة، وفي السجون والمعتقلات، ودماءهم تنادي الجميع بالقصاص العادل.
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما شكا إليه القبطي أن ابن عمرو بن العاص والي مصر ضربه، قال عمر للقبطي: اضرب من ضربك، فلما ضرب القبطي ابن عمرو، قال عمر: اضرب عمروا على صلعته، فقال القبطي: ضربت من ضربني يا أمير المؤمنين، ولم يضربني عمرو، بل ضربني ابنه، فقال عمر: إنما استذلك بسلطان أبيه. فكم من رأس في النظام الفاسد استذل الشعب، والناس، وأهان، وسرق ونهب، بسلطان مبارك ونظامه.
والقانون ينص على أن قضايا التعذيب لا تسقط بالتقادم، وبارك الله في المستشار طارق البشري، عندما سألته مذيعة : لماذا تحكم في قضايا تعلم أن النظام لن ينفذها، وهي ضد أناس في النظام، فقال: سيأتي يوم يتركون مناصبهم، وتطبق عليهم الأحكام، المهم أن يظل هؤلاء الظلمة على علم بأن هناك حكما ضدهم، وسيأتي اليوم الذي يطبق عليهم.
المحاسبة والعقاب، هي الرحمة المناسبة هنا، وإلا لحكمنا والعياذ بالله على الله عز وجل بعدم الرحمة، فهو الذي وضع هذه الحدود والعقوبات، وقال في كثير منها: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النور: 2، وقال عن السارق: (جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) المائدة:38،
ولم يختم أي آية تتكلم عن حدود المجرمين، بالرحمة، بكل كلها ختمت بالعزة والحكمة، أي أن حكمة الله هي العقاب، والعدل والرحمة هنا هي: العقاب العادل الرادع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد وقد أراد أن يشفع لمخزومية سرقت: "أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" وهنا لم يقل فاطمة بنت رسول الله، لأن الجريمة ترفع عنك عزك وكرامتك، إلى أن ينفذ فيك العقاب الذي أمر به الله، عندئذ تسترد جاهك وعزك بعد توبتك وتنفيذ العدل فيك.
كما أن العقاب للمفسد، يكون عبرة وعظة لغيره، وتظل صورة ماثلة أمام عينه دوما، وهي حكمة بينها الله عز وجل، فقال: (كتب عليكم القصاص في القتلى) البقرة: 178، وقال مبينا حكمة القصاص: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) البقرة: 179، أي أن حياة المجتمع وأمانه في القصاص، ليعلم كل مجرم أن العقاب ينتظره، فيرتدع كل من يفكر في الإجرام.
والنظام مسؤول مع المخلوع، لأنه استعان بهم، وأعانوه، (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) القصص: 8،
وقد قال حارس السجن الذي كان يجلد الإمام أحمد: هل تراني من جنود فرعون؟ قال: إن جند فرعون هو من يطبخ له، أو يغسل له ثوبه، ولكنك أنت فرعون أيضا.
وعندما تولى عمر بن عبد العزيز الحكم عزل كل القضاة الذين كانوا في عهد الحجاج. فقال له أحدهم انا عملت مع الحجاج شهرا واحدا فلم تعزلني؟ فقال له يكفيني ان الحجاج رضي عنك وعينك
و قال: لو جاءت كل أمة بخطاياها، وجئنا نحن بني أمية بخطايا الحجاج لسبقنا الأمم جميعا. أي أنه بين مسؤولية بني أمية عن الحجاج وظلمه، لأنهم أطلقوا يده في قتل الناس، والتنكيل بهم.
التوبة من الظلم
شروط التوبة ثلاثة :
1. أن تقلع عن الذنب. 2. أن تقدم وتعزم على عدم العودة إليه.3-. إبداله بالأعمال الصالحة ، وشرط رابع رد المظالم إلي أهلها أو تطلب منهم أن يجعلوك في حل منها.
دفع الظلم
لا بد من مدافعة الظلم وردعه بالوسائل الشرعية حتى لا يستطير. ومن أعظم وسائل إزالة الظلم هي:
1- التواصى بالحق والصبر
قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [(127) سورة الأعراف] لكن موسى وقومه قابلوا ذلك بالصبر الجميل حيث قال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [(128) سورة الأعراف]، بإقامة شرع الله فى أنفسنا أولا ثم الدعوة إليه
2 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط الاستطاعة:
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) وإنما التغيير باليد يكون خاصاً بالدرجة الأولى للحاكم، ويجوز لغيره إذا كان لا يؤدي إلى ضرر أكبر، ولهذا قرر أهل العلم أن الأمر بالمعروف لا يكون إلا بالمعروف، والنهي عن المنكر لا يكون بالمنكر بل يرجع إلى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد.
3 - هجر الظالم وعدم إعانته على ظلمه:
قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [(68) سورة الأنعام]. وقال الله تعالى {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [(113) سورة هود]،
4- الدعاء على الظالم والظلم بالزوال:
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)) وقال و ( وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ على الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لها أَبْوَابُ السماء وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل وعزتي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ) رواه أحمد (8030) وابن ماجه(1752) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه ابن حبان (874) وابن خزيمة(1901)
· يروى أن أهل بغداد اشتكوا إلى الخليفة المعتصم إساءة غلمان الأتراك وقد أكثر المعتصم من شرائهم ليقوي الجيش بهم, حتى ملئوا بغداد وكانوا عجمًا جفاة, وجاء وفد من الصالحين للخليفة المعتصم وقالوا له: 'تحول عنا بجيش الأتراك هذا وإلا قاتلناك' فقال لهم المعتصم: 'وكيف تقاتلوني وفي عسكري ثمانون ألف دارع؟'
فقالوا: 'نقاتلك بسهام الليل'. فقال: 'لا طاقة لي بذلك'. وتحول بجيشه .
إنها سهام الليل لا يقوى على صدها أحد فإنها السلاح الأقوى ولا يعرف قيمتها الآن إلا القليل إنها السيف الأمضى الذي سقط من حسابات المسلمين, إنها وصلة العبد برب الأرض والسماء, ومسامرة المظلومين في حوالك الظلمات, فكم من سهام كشفت مظلمة وقمعت ظالمًا وردت طاغيًا, نحن في أمس الحاجة لأن نبري سهامنا ونشد أوتارنا ونرفع أقواسنا ونأجر في جوف الليل الغابر لمن وسع سمعه الأصوات كلها, ولمن يشك في قوة سهام الليل ومدى فاعليتها فليسمع لتلك المواقف.
لما قتل الحجاج العالم الرباني 'سعيد بن المسيب' ووصل هذا الخبر للحسن البصري رفع يديه في جوف الليل
وقال: 'اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج' فمات الحجاج من ليلته.
أتهزأ بالدعاء وتزدريــه *** ولا تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لهن أجل وللأجل انقضـاء

5- رد المظالم
فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( مَن كانت عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ منها فإنه ليس ثَمَّ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ مِن قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِن حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سيئآت أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه ) رواه البخارى 6169
ربنا لا تجعلنا فتنة للظالمين ونجنا من شرهم ، واكفنا الظالمين بما شئت وكيف شئت
 تم بحمد الله

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

ربنا يبارك فيك شيخ وليد

وليد برجاس يقول...

وبارك الله فيكم نورتنا أخى