بسم الله والحمد لله
أبى وأمى .. فاقا الشجرة


منذ زمن ..كان هناك شجرة عظيمة ، مليئة بالخيرات ، و كان هناك طفل صغير نشأ فى ظلها ينعم بدفئها ويلعب ويفرح حولها ، ويتغذى من ثمارها .
كان قلبه معلقا بتلك الشجرة وكانت الشجرة تحنو عليه وتحبه
مضى الزمن وكبر الطفل وصار لا يلعب حول الشجرة
في يوم من الأيام رجع هذا الصبي وكان حزينا ، فقالت له الشجرة: تعال والعب معي!
فأجابها الولد: لم أعد صغيرا لألعب حولك... أنا أريد بعض اللعب وأحتاج بعض النقود لشرائها... فأجابته الشجرة: لا يوجد معي نقود ولكن يمكنك أن تتسلق إلى فروعى وتاخذ من ثمارى كل ما تحتاجه ثم تبيعه لتحصل على النقود .
فرح الولد وذهب يقضى حاجته ولم يعد . حزنت الشجرة لغيابه مضى الزمن
وعاد الولد وقد صار شابا يافعا ففرحت الشجرة لعودته وقالت له: تعال والعب معي.
أجابها: أنا لم أعد طفلا لألعب حولك مرة أخرى، أنا الآن أبحث عن الاستقرار وأن يكون لى بيت وزوجة وعائلة وأريد ان أبنى بيتا.
قالت: ليس عندي لك بيت ولكن يمكنك أن تأخذ فروعى تبني لك بها بيتا.
فرح الشاب وتسلق الشجرة ليجردها من فروعها وزينتها وكانت الشجرة سعيدة بسعادته وترجو له كل خير وهناء .
مضى الزمن ولم يعد الشاب للشجرة فحزنت عليه ثم عاد إليها وقد صار رجلا مسؤولا ،
ففرحت وقالت له: تعال والعب معي... فقال لها :أنا الآن صرت رجلا مسؤولا عن بيت وأسرة وأريد أن أوسع لهم فى معيشتهم وأركب البحر وأسافر طلبا للرزق.
قالت الشجرة: خذ جزعى وابن مركبا، ودعت له بدموعها بالبركة وسعة الرزق .
فسارع الرجل فرحا بقطع جزع الشجرة وصنع مركبا وأبحر بعيدا.
وبعد غياب طويل عاد الرجل ، عاد وقد صار عجوزا ، رحبت به الشجرة
وقالت له وهي تبكي: يا بني الحبيب لم يعد عندي أي شئ أعطيه لك، ذهبت ثمارى وفروعى وجذعى كل ما لدي الآن هو جذور ميتة.
قال لها: بعد هذه السنين أنا متعب ،كل ما أحتاجه الآن هو مكان لأستريح به
قالت له:يا بنى هنا نشأت بين جذورى ولن تجد مكانا أروح لك منه تعال واجلس معي .
ففعل الرجل وكانت الشجرة سعيدة به والدموع تملأ بقاياها
هل عرفت من هذه الشجرة ؟

إنها ... والداك.. إنها ..أبوك وأمك
هكذا والداك يندفاع بالفطرة إلى رعايتك ، يضحيان بكل شيء من أجلك حتى لو حياتهما حتى لو سعادتهما بوقتهما ،بصحتهما ، بشبابهما ، كل شىء المهم تعيش أنت وتسعد وتهنأ.
كالنبتة الخضراء حينما تَمتَصُّ كلِّ غِذاء في الحبة فإذا هي فتات!
أبوك وأمك فاقا تلك الشجرة فى التضحية وهكذا أنت قد مَصَصْت كل رحيق وكل عافية وكل جهد وكل اهتمام من والديك،
فإذا هما شيخوخة فانية.

وهما مع ذلك سعيدان بك منذ وُلدتَ حتى تستقل، وكل ما يأتي به الأب ويحمله إلى البيت فنصيبك نصيب الأسد منه إن لم يكن كله لك.
إنه حريص على ما يلائمك ولو كان غير محبوب لديه، انتصبَ لتربيتك وجَلْبِ ما ينفعُك، ودفع ما يضُّرك، هُّمه رضاك، إن رآك حزينًا أو باكيًا لم يترك سبيلاً لصرف ما يحزنك ويبكيك لتطيبَ نفسك وتقَرَّ عينك، لا يستكره بولك، ولا تتقزز نفسه أو تنفر من إماطة الأذى والمكروه عنك..
إن أنت غبتَ عن عينه لم يَغِبْ خيالُك عن قلبه.. وإن لم يسمع صوتَك جهرَ بذكرك.. لو تأخرت على غير عادتك قَلِق وحَزَن.. لقد أجْبَنْتَهُ وأبْخَلْتَهُ.. إنه رجل شجاع قبل أن تخلق، وكريمٌ لمَّا كان بدون كنية.. فلما جئتَ جبن خوفًا عليك، وبَخِل توفيرًا لك، ولئن كان شعورك يتطلع دائمًا إلى المستقبل ويتدفق حيوية وطموحًا نحو الجديد من سيارة وزوجة وذريَّة و..، وتجد دافعًا قويًا إلى ذلك بعامل الفطرة.
إن الإسلام لم يوص الوالدين بالأولاد بمثل ما أوصى الأولاد بالوالدين؛ لأن ذلك أمر مركوز في فطرة الإنسان، ولذا كان التأكيدُ على تذكر الإنسان بنشأته وفضلِ والديه عليه أمرًا لابد منه، حتى يكونَ على صلة وذكْرٍ لمن أفنيَا حياتهما سهرًا عليه ورعاية له، وأسدَيَا إليه من المعروف رحيق حياتهما، وآثَرَاه على نفسيهما.
وهل بعد هذا فضل؟
قال الله تعالى :{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } (الإسراء: 23-24).
وقوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً).النساء:36
الله قد قرن توحيده ـ وهو أهم شيء في الوجود ـ بالإحسان للوالدين.. ليس ذلك فقط بل قرن شكره بشكهما ايضاً..
قال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) لقمان:14
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) [رواه الترمذي وصححه ابن حبان].
إن القيام بحقوق الوالدين، و برورهما والإحسان إليهما، من آكد الفروض و الواجبات، وأعظم العبادات والقروبات بعد عبادة الله سبحانه و توحيده، لأن الله سبحانه الخالق الحقيقي للولد، قد جعل الوالدين السبب المباشر في خلق الولد، وخلق في قلوبهما من العطف و الحنان والرحمة، ما يدفعهما لبذل الجهود، و تحمل المشاق و المتاعب في السعي عليه، وحفظه و رعايته و تربيته، لذلك جاء الإسلام يُعظم حقوقهما و يوجب رعايتهما، و يحرم تحريما قاطعا عقوقهما.
ما برّ الوالدين ؟
سُئل الحسن ما برّ الوالدين ؟ قال : أن تبذل لهما ما ملكت ، وأن تطيعهما في ما أمراك به إلا أن تكون معصية . رواه عبد الرزاق في المصنف
بر الوالدين مُقدم على الجهاد
عن ابن مسعود قال: " سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحبُّ إلى الله تعالى، قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي، قال بر الوالدين، قلت ثم أي، قال الجهاد في سبيل الله"
كما حذر سبحانه وتعالى من عقوق الوالدين في كتابه الكريم فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد].
• فقد أمر الله عيسى ابن مريم -عليه السلام- ببر والدته كما أمره بباقي العبادات. قال تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [مريم: 31، 32].
لذلك يقول بعض السلف: لا تجد أحدًا عاقًا لوالديه إلا وجدته جبارًا شقيا.
• بر الوالدين من أعظم الطرق الموصلة إلى الجنة
• فعن معاوية بن جاهمة رضى الله عنه : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستشيره في الجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألك والدان؟» قلت: نعم. قال: «الزمهما، فإن الجنة تحت أرجلهما» [صحيح الترغيب والترهيب].
- بسط الرزق ودفع مصارع السوء: لقول الرسول
صلى الله عليه وسلم : «مَن سرَّه أن يمد الله في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه» [أخرجه الحاكم].
- بر الوالدين من أسباب تفريج الكروب وذهاب الهموم. لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر، فآووا إلى غار في جبل،.الحديث» [رواه البخاري ومسلم].
• لماذا بر الوالدة مقدم على بر الوالد؟

• لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، مع مشاركتها للأب في التربية، وقد أَمَر الله تعالى ببر الوالدين عمومًا وخصصها هي للمجهود الذي بذلته من قبل. قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان: 14].

فهي التي «حملتك في بطنها تسعة أشهر، تزيدها بنموك ضعفًا، وتُحَمِّلها فوق طاقتها عناء، وهي الضعيفة الجسم، الواهنة القوة. ثم أخرجتك، فيئست في خروجك من حياتها، فلمَّا بصرت بك إلى جانبها نسيت آلامها، وعلَّقَت فيك آمالها، ورأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم انصَرَفَت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها وتنميك بهزالها، وتقويك بضعفها، تخاف عليك رقة النسيم وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحة. فلمَّا تمَّ فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أَخَذَت تحيطك بعنايتها، وتتبعك نظراتها، وتسعى وراءك خوفًا عليك، وبَقِيَت ترعاك وتحنو عليك حتى آخر لحظاتها من الدنيا. ومن هنا قَدَّمَها الله تعالى في الطاعة على أبيك،
• عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏ ‏جاء ‏ ‏رجل ‏ ‏إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله ‏ ‏من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك" رواه البخارىّ

أسلمت بسبب بر الوالدين
•تقول الطبيبة الأمريكية: أول مرة سمعت فيها كلمة الإسلام كانت أثناء متابعتي لبرنامج تليفزيوني ، فضحكت من المعلومات التي سمعتها..
بعد عام من سماعي كلمة " الإسلام " استمعت لها مرة أخرى، في المستشفى الذي أعمل فيه حيث أتى زوجان وبصحبتهما امرأة مريضة ، وكنت ألاحظ عليها علامات القلق ، وكانت تمسح دموعها .. من باب الفضول سألتها عن سبب ضيقها ، فأخبرتني أنها أتت من بلد آخر مع زوجها الذي آتى بأمه باحثا لها عن علاج لمرضها العضال..
• كانت المرأة تتحدث معي وهي تبكي وتدعو لوالدة زوجها بالشفاء والعافية ، فتعجبت لأمرها كثيراً ! تأتي من بلد بعيد مع زوجها من أجل أن يعالج أمه ؟
• تذكرت أمي وقلت في نفسي : أين أمي؟ قبل أربعة أشهر أهديتها زجاجة عطر بمناسبة " يوم الأم " ولم أفكر منذ ذلك اليوم بزيارتها !
• هذه هي أمي فكيف لو كانت لي أم زوج ؟! لقد أدهشني أمر هذين الزوجين .. ولا سيما أن حالة الأم صعبة وهي أقرب إلى الموت من الحياة .. أدهشتني أمر الزوجة.. ما شأنها وأم زوجها ؟! أتتعب نفسها وهي الشابة الجميلة من أجلها ؟ لماذا ؟ لم يعد يشغل بالي سوى هذا الموضوع ؟ تخيلت نفسي لو أني بدل هذه الأم ، يا للسعادة التي سأشعر بها ، يا لحظ هذه العجوز !
• إني أغبطها كثيرا.. كان الزوجان يجلسان طيلة الوقت معها ، وكانت مكالمات هاتفية تصل إليه من الخارج يسأل فيها أصحابها عن حال الأم وصحتها ...دخلت يوما غرفة الانتظار فإذا بها جالسة ، فاستغللتها فرصة لأسألها عما أريد ..حدثتني كثيرا عن حقوق الوالدين في الإسلام وأذهلني ذلك القدر الكبير الذي يرفعهما الإسلام إليه، وكيفية التعامل معهما .. بعد أيام توفيت العجوز ، فبكى ابنها وزوجته بكاءاً حارا وكأنهما طفلان صغيران.. بقيت أفكر في هذين الزوجين وبما علمته عن حقوق الوالدين في الإسلام.. وأرسلت إلى أحد المراكز الإسلامية بطلب كتاب عن حقوق الوالدين.. ولما قرأته..عشت بعده في أحلام يقظة أتخيل خلالها أني أم ولي أبناء يحبونني ويسألون عني ويحسنون إلي حتى آخر لحظة من عمري.. ودون مقابل.. هذا الحلم الجميل جعلني أعلن إسلامي دون أن أعرف عن الإسلام سوى حقوق الوالدين فيه .
• الحمد لله تزوجت من رجل مسلم، وأنجبت منه أبناء ما برحت أدعو لهم بالهداية والصلاح.. وأن يرزقني اللهبرَّهم ونفعهم.
• رائحة الولد
في عهد عمر رضى الله عنه يأتى أميَّة بن أشكر رحمه الله إلى المدينة آنذاك، وكان له ولدٌ اسمه كُلاب، وكلاب كان بارًّا بوالديه، ذهب إلى الجهاد وترك والديه بعد أن أرضاهما؛ ولكنه أبطأ، فاشتدَّ حزنُه على ولده، ولمَّا رأى حمامة تدعو فرخها بكى، فرأته أمُّ كلاب فبكت،
فأنشأ قصيدة تغنَّت بها الركبان إلى اليوم، ومنها قوله:
إذا سجعت حمامة ببطن وادٍ *** إلى بيضاتها أدعو كلابا
تركت أباك مرعشة يداه *** وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإنك والتماس الأجر بعدي *** كباغي الماء يلتمس السرابا

ثم أصابه العمى فجاء إلى عمر يرجوه أن يرد كلاب، فكتب عمرُ برده، ولما وصل كلابٌ سأله عمر عن بره بأبيه. فقال كلاب: أُوثره وأكفيه أمرَه، وكنت إن أردتُ أن أحلبَ له لبنًا أجيء إلى أغزر ناقةً في إبلهِ، فأريحَها وأتركها حتى تستقر، ثم أغسل ضرعها حتى تبردَ، ثم أحلبَ له فأسقيَه، فأمره عمرُ بأن يحلبَ ناقةً كما كان يفعل، وأخذ عمر الإناء، وقال لأبي كلاب: اشرب. فلما أخذه،
قال: والله يا أمير المؤمنين إني لأشُم رائحة يدي كلاب، فبكى عمر، وقال: هذا كلاب، فوثبت الأب وضمه، وبكى عمر وبكى الحاضرون، وقالوا لكلاب: الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا. قال ابن عبد البر : هذا الخبر صحيح.
بُني: ألم تهتز مشاعرك لهذه المشاهد؟ بُني: إن لك رائحة لا يشمها إلا والداك.. رائحة تزكي نفوسهما مهما كان مبعثها.
وكانت أعرابية ترقص ولدها بكلمات:
يا حبذا ريحُ الولد
*** ريح الخزامى في البلد
أهكذا كل ولد *** أم لم يلد قبلي أحد


رضاهما
لقد جعل الله تعالى رضاه عنك من رضاهما وسخطَه من سخطهما، وقَرَن حقَّهما بالإحسان إليهما بعد حقه سبحانه وتعالى، وسما ببر الوالدين حيث لم يفرق في ذلك بين برٍّ وفاجر، فهو حق عام يجب أداؤه، ومعروف ينبغي الوفاء به ما لم يترتب على ذلك معصيةٌ أو ضررٌ شرعي.. قال تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15].
حتى الأخ المشرك تنبغي صلتُه لما ثبت من فعل عمر رضى الله عنه ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر بأن تصلَ أمها المشركة.
• يَتَوَهَّم هؤلاء الشباب أن البرَّ مقصور على الأب الصالح، وأما الفاجر العاصي فلا يجب عليه بِرُّه، وبعضهم يصور لهم الشيطان أن البر بهذا الأب يعني مشاركته بمعصية الله والرضا بها، وأن في عقوقه له سبيلاً لاستقامة الأب وتركه لما هو عليه من فجور وفسق ومعاصٍ ليوقعه في أشد مما يرتكبه أبوه وأعظم وأخطر.. والحق أن ذلك تصوُّرٌ باطل وتعليل فاسد.. وأن العكس هو الصحيح، فبرُّ الولد بوالده أقرب في دفع الأب إلى تصحيح مساره وسلوكه.. وسواء كان ذا أو ذاك فبِرَّه واجب شرعًا، وعقوقه من كبائر الذنوب، بل يقود إلى الكفر!
إياك وعقوق الوالدين

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال : «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين». وكان متكئًا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور»، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
ولقد لعن الله العاق لوالديه، فقد قال
صلى الله عليه وسلم: «لعن الله مَن عقَّ والديه» واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو علم الله أدنى من الأف لنهى عنه، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار».
وقال كذلك: «لعن الله مَن سبَّ أباه، لعن الله مَن سبَّ أمه». وقال كذلك: «كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجِّل لصاحبه» [رواه البخاري]. يعني يعجِّل له العقوبة قبل يوم القيامة.
• قال رسول الله «لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيُعتقه» [رواه مسلم].

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل الذنوب يؤخر الله منها ما يشاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين فإنه يُعَجَّلُ لصاحبه» وذكر الذهبي في «الكبائر» عن سعد قوله: «إن الله ليُعَجِّل هلاك العبد إذا كان عاقًّا لوالديه لِيُعَجِّل له العذاب»
هذا والد له ولد منحرف، فكان أبوه كثيراً ما ينصحه، فضجر الابن يوماً فرفع يده وضرب أباه، فأقسم الأب بالله ليأتين إلى بيت الله الحرام، وليدعون على ابنه عند الكعبة، فلما وصل الحرم، تعلق بأستار الكعبة، وأخذ يدعو على ولده أن يصيبه الله بالشلل، فما استتم كلامه إلا وقد استجاب الله دعائه، فأصيب ابنه بشلل نصفي، حتى أنه لم يستطع معه الكلام .قال عليه الصلاة والسلام : ( ثلاث دعوات مستجاباتٍ لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم ) حديث حسن .
ذكر العلماء أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحن أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الحجرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان.
صور من العقوق مؤلمة

• ومظاهر العقوق كثيرة ومتنوعة، وشؤمه على الولد متحقق في حياة كل عاق وفي آخرته.. وإن صلى وصام وقرأ القرآن.
• يقول مجاهد: لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه.. ومن شد النظر إلى والديه فلم يبرَّهما. ومن أدخل عليهما حزنًا فقد عقهما».

- أن تجعل زوجتك بجوارك في السيارة، وأمك في الخلف، هذا عقوق.
- أن تصعد في سلم الدرج وأبوك خلفك هذا عقوق.
- أن يجوع أبوك يوماً وأنت لا تدري عنه عقوق. - أن تمرض أمك ولا تجد ثمن الدواء وأنت غافلٌ عنها هذا عقوق.
- رفع الصوت عندهما عقوق.
- أن تبخل على والديك بجزء من مرتبك مع قدرتك وحاجتهما عقوق.
- الإبطاء والتأخر في زيارتهما عقوق.
• ومن مظاهر العقوق: فعلُ ما يؤذيهما من منكرات أو ترك مأمورات، بل كل ما يؤذيهما حتى من الأمور المباحة والمعتادة.
• ومن مظاهر العقوق: ازدراؤك لأبيك،
ومن صوره خجلُك من أن يراه أصحابُك لأدنى توهم يعتريك في هيئة لباسه أو طريقة كلامه أو نحو من ذلك.

وقد ذُكِرَ أن عاقًا كان يجرُّ أباه برجله إلى الباب ليخرجه من الدار، فكان له ولدٌ أعقَّ منه، فكان يجر أباه إلى الشارع، فإذا بلغ به الباب، قال له الأب: حسبك، ما كنت أجر أبي إلا إلى هذا المكان، فيقول له ولده: هذا جزاؤك، والزائد صدقة مني عليك.
وذُكِرَ أيضًا أن رجلاً كان مكبًا على اللهو واللعب، وكان له والد صاحب دِين، كثيرًا ما كان يعظ هذا الابن، فيقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألحَّ عليه زاد في العقوق وجارَ على أبيه، وفي يوم من الأيام ألحَّ على ابنه في النُّصح، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله ليأتينَّ بيت الله الحرام ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى بيت الله الحرام، فتعلَّق بأستار الكعبة، ودعا على ولده بأن يشل منه جانبه، حتى قيل أنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن.
قال أحد الآباء معبراً في عتاب ولده العاق
غَذَوْتُكَ مولوداً وَعْلتُكَ يافعاً *** تُعَلُّ بما أُدْنِي إليك وتَنْهَلُ
إذا ليلةٌ نابَتْكَ بالشَّكْوِ لم أَبِتْ
*** لشَكْواكَ إِلا ساهراً أَتَمَلْمَلُ
كأني أنا المطروقُ دوَنكَ بالذي
*** طُرِقْتَ به دوني وعينيَ تَهْملُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عليكَ وإِنها
*** لتَعلمُ أن الموتَ حتمٌ مؤجّلُ
فلما بَلَغْتَ السِّنَّ والغايةَ التي
*** إليها مَدَى ما كُنْت فيكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جزائي منكَ سوءا وغِلْظةً
*** كأنكَ أنتَ المنعِمُ المتفضِّلُ
فليتكَ إذ لم تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتي
*** فَعَلْتَ كما الجارُ المجاوِرُ يفعلُ
وسَمَّيْتَني باسْمِ المُفَنَّدِ رأيُهُ
*** وفي رَأْيِكَ التفنيدُ لو كُنْتَ تعقلُ
تَراهُ مُعِداً للخِلاَفِ كأنهُ
*** بِرَدٍّ علَى أَهْلِ الصَّوَابِ مُوَكَّلُ
فليتك إذا لم ترع حق أبوتي *** فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن *** علي بمالي دون مالك تبخل


رسالة من والد إلى ابنه
ولدي العزيز : فى يوم من الأيام ستراني عجوزاً,غير منطقى فى تصرفاتى!
عندها من فضلك أعطنى بعض الوقت وبعض الصبر لتفهمنى
وعندما ترتعش يدي فيسقط طعامي على صدري
وعندما لا أقوى على لبس ثيابي , فتحلى بالصبر معي .
وتذكر سنوات مرت وأنا أعلمك ما لا أستطيع فعله اليوم !!
إذ حدثتك بكلمات مكررة وأعدت عليك ذكرياتي .
فلا تغضب وتمل فكم كررت من أجلك قصصا وحكايات فقط لأنها كانت تفرحك .
وكنت تطلب مني ذلك دوما وأنت صغير !!! فعذراً حاول ألا تقاطعني الآنإن لم أعد أنيقا جميل الرائحة .
فلا تلمني واذكر فى صغرك محاولاتى العديدة لأجعلك أنيقاً جميل الرائحة.
لا تضحك مني إذا رأيت جهلي وعدم فهمي لأمور جيلكم هذا
ولكن كن أنت عيني وعقلي لألحق بما فاتنى . أنا من أدبتك أنا من علمتك كيف تواجه الحياة
فكيف تعلمنى اليوم ما يجب وما لا يجب !!؟؟ لا تملّ من ضعف ذاكرتي وبطئ كلماتي وتفكيري أثناء محادثتك
لأن سعادتي من المحادثة الآن هي فقط أن أكون معك !
فقط ساعدني لقضاء ما أحتاج إليه , فما زلت أعرف ما أريد !
عندما تخذلني قدماي في حملي إلى المكان الذي أريده فكن عطوفا معي وتذكر أني قد أخذت بيدك كثيراً لكي تستطيع أن تمشي
فلا تستحيي أبداً أن تأخذ بيدي اليوم فغداً ستبحث عن من يأخذ بيدك .
في سني هذا إعلم أني لست مُـقبلا على الحياة مثلك ولكني ببساطة أنتظر الموت !
فكن معي, ولا تكن علىّ ! عندما تتذكر شيئا من أخطاءي فاعلم أني لم أكن أريد دوماً سوى مصلحتك
وأن أفضل ما تفعله معي الآن , أن تغفر زلاتي , وتستر عوراتي.
غفر الله لك وسترك لا زالت ضحكاتك وابتسامتك
تفرحني كما كنت صغيراً بالضبط
فلا تحرمني صحبتك !
يا بُنى ! كنت معك حين ولدت فكن معي حين أموت !
يا بُني! أنت اليوم ابن، وغدًا بإذن الله تكون أبا، وستري صدق رسالتي.
من قصص البر بالوالدين
معركة بين أخوين والسبب ..الأم

وقفت أمامي سيارة ونزل منها شابان وقاما بحمل عجوز فنظرت إليها وقلت سبحان من سخر لك هؤلاء ...وكأنها ملكة من ملوك ذلك الزمان الذين كانت تحمل كراسيهم على رقاب العبيد
وبعد أن فرغنا من صلاة العصر....خرجت من المسجد مبكرا وإذا بأحدهم يمسك بتلابيب أخيه ويجذبه عن الباب الذي ستخرج منه العجوز وماكان من الآخر إلا أن فعل نفس الفعل وبدأ العراك وكلا يصرخ في الأخر ويتدافعان بطريقة جعلتني وبعض من الجيران نتدخل فورا
التفت الصغير علينا وهو ممسك بتلابيب أخيه ويقول لنا من أراد أن يتدخل فليحفظ حقي
وقلت لهم : اتقوا الله تتضاربون أمام أمكم وعلى مرأى منها ومسمع ما المشكلة حرام عليكم أنتم أخوة ؟
فرد الصغير قائلا أردت أن أحمل أمي وأدخلها إلى المنزل حسب الاتفاق بيني وبينه فهو من حملها من سريريها في المستشفى وأنزلها في السيارة ومن حقي أنا أن أحملها وأدخلها إلى المنزل.
فقال الكبير بصوت عالي ستة أشهر وأنت تخدمها وأنا في الدورة وتواعدني كثيرا بأن تأتي بها إلى الرياض ولكنك لم تفعل أنت خدمتها أكثر مني .
يقول صديقي فتحنا أفواهنا والغضب يكاد يعصف بعقلي الاثنين وكل واحد منهما مستعد أن يموت في سبيل حمل أمه
لم أستطع أن أحبس دموعي ولكننا حاولنا بشتى الطرق أن نحل الموضوع إلا أن الصغير كان متمسكا بحقه
يعلم الله إننا وقفنا أكثر من ساعة ونحن نحاول أن نحكم بينهم في هذا الأمر وكلما نظرت إلى عين أحد الجيران وجدتها غارقة في الدموع من كثرة المواقف التي ذكروها وكل واحد يحكي أن الأخر فعل لها وعمل لها وأنا لم أفعل ولم أسوي
حتى قال الصغير : حرمتني من حملها في الحج واستأثرت بهذا لنفسك
وحكي الكبير وهو يعاني كيف أن ظروف العمل تجبره على التقصير في خدمة والدته وأنه أولى بمثل هذه الأمور خاصة خارج المنزل ليعوض مافاته من خدمة والدته ، وغيرها الكثير
أخيرا عرفنا أن هناك اتفاق مسبق بينهما وأنهما يقومان على خدمة والدتهم يوم ويوم .
احترنا معهم ونحن واقفين لم نجد من أحدهم تنازلا حتى كدت أن أحمل أمهم أنا وأوصلها إلى شقتهم كي نريحهم ونستريح
قاطعنا إمام المسجد وقد وصل إلينا وألقى السلام وقال مخاطبا الأخ الأصغر ...أليس بينكم اتفاق وأنا شاهد عليه فعرفنا أن إمام المسجد قد اطلع على حالهم ...وعرفت مؤخرا أنه وجدهم وهو خارج من بيته لصلاة الفجر على هذه الحالة وحكم بينهم
وقد توصلنا معهم لهذا الحل الذي رأيته وهو أن يحملاها الاثنين سويا حين يكون هناك خروج لها من المنزل أو عودة إلى المنزل.
أبشر بالخير يا والدي
يقول أحد الدعاة: كان هناك رجل عليه دَين , وفي يوم من الأيام جاءه صاحب الدين وطرق عليه الباب
ففتح له أحد الأبناء فاندفع الرجل بدون سلام وأمسك بتلابيب صاحب الدار وقال له : اتق الله وسدد ما عليك من الديون فقد صبرت عليك أكثر من اللازم ونفذ صبري .
وهنا تدخل الابن ودمعة في عينيه وهو يرى والده في هذا الموقف
وقال للرجل :كم على والدي لك من الديون؟ قال: أكثر من تسعين ألف ريال. فقال الابن : اترك والدي واسترح وأبشر بالخير.
ودخل الشاب البارّ إلى غرفته حيث كان قد جمع مبلغا من المال قدره سبعة وعشرون ألف ريال من راتبه ليوم زواجه الذي ينتظره
ولكنه آثر أن يفك به ضائقة والده ودينه على أن يبقيه في دولاب ملابسه.
دخل إلى المجلس وقال للرجل: هذه دفعة من دَين الوالد قدرها سبعة وعشرون ألف ريال وسوف يأتي الخير ونسدد لك الباقي في القريب العاجل إن شاء الله.
هنا بكى الأب وطلب من الرجل أن يعيد المبلغ إلى ابنه فهو محتاج لهولا ذنب له في ذلك .
فأصرّ الشاب على أن يأخذ الرجل المبلغ.
وودعه عند الباب طالبا ًمنه عدم التعرض لوالده و أن يطالبه هو شخصياً ببقية المبلغ.
ثم تقدم الشاب إلى والده وقبل جبينه وقال:
يا والدي قدرك أكبر من ذلك المبلغ ، وكل شيء يعوض إذا أمد الله عمرنا ومتعنا بالصحة والعافية
ولو كنت أملك كل ما عليك من دين لدفعته له ولا أرى دمعة تسقط من عينيك على لحيتك الطاهرة.
وهنا احتضن الشيخ ابنه و أجهش بالبكاء و أخذ يقبله ويقول : الله يرضى عليك يا ابني ويوفقك ويحقق لك كل طموحاتك.
وفي اليوم التالي وبينما كان الابن منهمكاً في أداء عمله الوظيفي زاره أحد الأصدقاء الذين لم يرهم منذ مدة
وبعد سلام وسؤال عن الحال والأحوال قال له ذلك الصديق: يا أخي أمس كنت مع أحد كبار رجال الأعمال وطلب مني أن أبحث له عن رجل مخلص وأمين وذو أخلاق عاليةولديه طموح وقدرة على إدارة العمل وأنا لم أجد شخصاً أعرفه تنطبق عليه هذه الصفات إلا أنت.
فما رأيك أن نذهب سوياً لتقابله هذا المساء. فتهلل وجه الابن بالبشرى وقال:لعلها دعوة والدي وقد أجابها الله فحمد الله كثيراً .
وما إن شاهده رجل الأعمال حتى شعر بارتياح شديد تجاهه وقال :هذا الرجل الذي أبحث عنه .
وسأله كم راتبك؟ فقال: ما يقارب الخمسة ألاف ريال.
فقال له: اذهب غداً وقدم استقالتك وراتبك خمسة عشر ألف ريال، وعمولة من الأرباح 10% وراتبين بدل سكن وسيارة , وراتب ستة أشهر تصرف لك لتحسين أوضاعك. وما أن سمع الشاب ذلك حتى بكى وهو يقول ابشر بالخير يا والدي.
فسأله رجل الأعمال عن سبب بكائه فحدثه بما حصل له قبل يومين، فأمر رجل الأعمال فوراً بتسديد ديون والده.
وكانت محصلة أرباحه من العام الأول لا تقل عن نصف مليون ريال.
الله أكبر انظر يا رعاك الله كيف أخلف عليع فى الدنيا لأنه لم يبخل على أبيه فكيف يكون كرم الله بمن أنفق على والديه يوم القيامة؟
ثلاثة عشر عاماً من الخدمة
يقول أحدهم :هذه القصة عشت أحداثها عن قرب ، فقد حدثت لعائلة قريبة مني، وبطلها كان أحد أبناء هذه العائلة.
البداية كانت لرجل مسن هده المرض، إذ أصابته جلطة ألزمته السرير الأبيض، قرر بعد ذلك أبناؤه أن يسافروا به للعلاج خارج المملكة، ولكن لا جديد إذ أفادهم الأطباء بأن حال والدهم ستظل هكذا عاجزاً عن الحركة، عاجزاً عن الكلام حتى يقضي الله في أمره ما يشاء.
تشاورت الأسرة في حال الوالد ، وعندها أعلن الابن الرابع قراره ، قراراً سيكون له أثر بالغ في مسيرة حياته كلها؛ لقد قرر أن يرافق والده في المستشفى حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
أسئلة كثيرة دارت في ذهن من حوله هل هو جاد فيما يقول؟ أم هي حماسة أملتها طبيعة الموقف ومنظر الأب المحزن؟ .
وإن كان جاداً فما الذي سيفعله مع وظيفته؟ وماذا سيفعل مع أصدقائه؟ وزياراته ؟
إذ لا يزال شاباً في مقتبل العمر تغريه الدنيا بمفاتنها، إلا أن الجواب جاء بطريقة عملية أنهت كل تساؤل.
ثلاثة عشر عاماً متواصلة ليلها بنهارها، قضاها بجوار سرير والده، يقوم بشأنه كله، يطعمه ويسقيه، وينظفه من جنب إلى آخر ليريحه، كان يتعامل مع والده بلغة الإحسان، إذ لسان والده عاجز عن الكلام، فتارة يحس أن والده جائعٌ فيطعمه، وتارة يحس أنه ظمآن فيسقيه، وتارة بحاجته إلى تغيير رقدته فيقلبه على جانبه الآخر.
أصبح كل من في المستشفى يعرفه، كلهم يعجب من صنيعه، وكلهم جعل من بره قصةً يعطر بها مجالسه.
دخل هذا الشاب المستشفى مع والده مرافقاً في نهاية العشرينات من عمره، ولم يخرج إلا وقد تخطى الأربعين كان المستشفى عالمه الكبير، أما خارج المستشفى فلم يعرف عنه شيئاً فاته الزواج والكثير من مباهج الدنيا ومتعها، لكن أرجو أن يكون قد نال ما هو أعظم من هذا كله وهو رضا الله عز وجل.

عوضه الله
قال لي أحد الأخوة الحجاج معنا من الأردن يقول : العام الماضي كنت موظف في إحدى الشركات فقدمت استقالتي فأعطوني حقوقي 3200دينار.. يقول : استلمت المبلغ ولا أملك غيره طوال حياتي...
طبعاً هذا المبلغ يعتبر جيد بالنسبة لهذا الموظف يقول : لما رجعت إلى البيت كان الوقت قبل حج عام 1424هـ لما دخلت البيت أخبرت والدي بهذه المكافئة من العمل.
فقال لي والدي ووالدتي : نريد أن تدفع هذا المبلغ لأجل أن نحج . يقول : دفعت المبلغ ووالله ما أملك غير هذا المبلغ.
فذهبت إلى مكاتب السفر التي تهتم بأمر الحجاج في الأردن ودفعت المبلغ وودعت والدي ووالدتي .
يقول : وبعد أسبوعين ولما رجعوا دخلت في عمل أخر يقول فاتصل علي مدير الشركة السابقة.
وقال : فيه مكافئة ولابد أن تأتي تستلمها . لاحظ الآن لا يملك شيء وكل المبلغ صرفه لوالديه في الحج.
يقول : ذهبت إليهم توقعت مبلغ يسير لأني لم أتوقع أن لي مكافئة. ثم دخلت على المدير وأعطاني الشيك وإذا فيه 3200دينار . يا عجبا والله لقد دفع لوالديه فيأتيه نفس المبلغ بعد أيام ..
نعم أنفق على والديك وسيأتيك الرزق من حيث لا تحتسب {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} أليس البر بالوالدين من التقوى ؟ أليس الإنفاق عليهم من أعظم الأعمال إلى الله عزوجل ؟ هذا الرجل أعطى والديه 3200دينار ويقول والله بعد أسبوعين بالضبط تأتني 3200دينار .
{ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب }.
البر دَين
توفى والده وآلت أمه على نفسها أن تربيه ليصل إلى أعلى الدرجات العلمية وكانت تعمل خياطة ، ففعل ما أرادت ووفقه الله وتوظف .
وكانت نيته أن يعطي من راتبه لأمه ليسد بعض من فضائلها عليه
لكن شاءالله وتوفيت رحمها الله فحزن قلبه وبكى عليها كثيراً..
ونذر لله تعالىٰ أن يدفع ربع راتبه للفقراء ناوياً الأجر لأمه ويحلف بأنه من ثلاثين سنه من وفاة أمه لم تفته سجدة إلا وقد دعا لهـاويتصدق بالماء ويحفر الآبار لهاووضع في عدد من المساجد برادات للماء وقفا لها..
وفي يوم خرج للصلاة فرأى مجموعة من الرجال يضعون برادة ماء في مسجد حيهم!
فضاق صدره وقال وضعت في الشرق والغرب ونسيت ان أضع برادة في مسجد حينا!
وبينما هو يفكر وإذا بإمام المسجد يلحق بـه ويقول: يا أبومحمد جزاك الله خيراً على برادة الماء..!
استغرب وقال: لا والله إنها ليست مني !! فقال الامام: بلى إنها منك ..!
اليوم أحضرها ابنك وقال انها منك ! فإذا بابنه محمد يقبل ويقبل يده ويقول: يا أبي انها مني ونويت أجرها لك.
فتقبلها سقاك الله من أجرها بسلسبيل الجنة ..
فسأله أبومحمد: وكيف أحضرت ثمنها ياولدي وأنت في الصف الأول الثانوي ولاتعمل ؟!!
فقال له يا أبتى: من خمس سنوات أجمع مصروفي وعيدياتي وجميع ما أملك من نقود لأبرّ بك كما بررت بجدتي رحمها الله وأضع لك وقفا سبحان الله !! صدق من قال : البِّرُ دَيْن ««وسيعود لك في أولادك
والعقوق كذلك سيرجع لك يوما.
جزاء الخير خير مثله

في يوم عرفة حيث تتنزل الرحمات على الناس الذين توجهوا إلى الله بالدعوات.
عزم يوم عرفة على أن يؤثر أباه وأمه بالدعاء وكان مما قاله: (اللهم حرم جسد والدي على النار اللهم أدخلهما الجنة)
قال: (وبعدما عدت إلى الكويت وجلست مع أبنائي قالت لي الكبرى أظنك نسيتنا في الدعاء يا أبتاه غير أننا لم ننسك أبدا، فأنا قد دعيت لك يوم عرفة..... فسألتها متلهفاً وبماذا دعيت لي؟...... قالت كنت أقول: (اللهم حرم جسد والدي على النار اللهم أدخله الجنة) وهنا ارتمت الصغرى في أحضاني قائلة: أما أنا فكنت أقول اللهم لا تحرق والدي بالنار...... فسكت سكوت الخاشع وأدركت أن الجزاء يكون من جنس العمل.
بروا آبائكم تبركم أبناؤكم
أحد الآباء يحدث انه حج مع والده وعندما وصولهم عرفات رغب الأب أن يقضى حاجته فانزله الابن من على البعير حتى فاتتهم القافلة فما كان من الابن إلا ان حمل والده على كتفه وانطلق يجرى وبينما هو كذلك احسست برطوبة تنزل على وجهى وتبين لى انها دموع والدى فقلت أبى والله إنك اخف علىّ من الريشة
فقال الأب : ليس لهذا بكيت ولكن في هذا المكان حملت انا والدى.!!
بعد موتهما.. هل أبرهما؟!
قال تعالى :{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} وقد كرّر الله سبحانه في القرآن الوصية بالإحسان إلى الوالدين، لافتا سبحانه نظر عباده إلى جليل ما قاما به نحو الولد، و ما تحملا في سبيله، ومُثنيا على البار بهما، و مبشرا له بما ادخره له عنده من الكرامة والنعمى، ناعيا على العاق جرمه منذرا له بما ينتظره من غضب الله ومقته.
فقال عز وجل:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسنًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كرْهًا وَوَضَعَتْهُ كرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يتقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ، وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الْأوَّلِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } (الأحقاف 15- 18).
1- الدعاء لهما: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث أشياء، إلا من: صدقة جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
2- الوفاء بنذرهما: لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنَّ سعد بن عبادة
رضي الله عنهما استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أُمي ماتت وعليها نذرٌ. فقال: «اقضه عنها» [البخاري ومسلم].
3- الصدقة عنهما: لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنَّ سعد بن عبادة توفيت أُمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أُمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: «نعم». قال: فإني أُشهدك أن حائط المخراف صدقة عليها. [رواه البخاري].
4- الاستغفار لهما: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرجل لتُرفع درجته في الجنة، فيقول: أنَّى لي هذا؟ فيُقالُ: باستغفار ولدك لك» [صحيح الجامع].
5- صلة أصدقائهما : لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إن من أبَر البِر صلة الرجل أهل ودِّ أبيه بعد أن يولي» [رواه مسلم].
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يبـرّ ابن صاحب أبيه بعد موت أبيه فعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروّح عليه إذا مـلّ ركوب الراحلة وعمامةٌ يشد بـها رأسه ، فبينا هو يوما على ذلك الحمار إذ مرّ به أعرابي ، فقال : ألست ابن فلان بن فلان قال : بلى فأعطاه الحمار وقال : اركب هذا ،والعمامة أُشدد بـها رأسك ، فقال له بعض أصحابه : غفر الله لك أعطيت هذا الأعرابي حمارا كنت تروّح عليه ، وعمامةً كنت تشدُّ بـها رأسك ، فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولِّي ، وإن أباه كان صديقا لعمر رضي الله عنه . رواه مسلم .
اللهم اغفر لوالدينا وارحمهما كما ربونا صغارا
إعداد أبو مسلم وليد برجاس